أخر الأخبار

نجوى مصطفى

نجوى مصطفى

متغيبش يا علي!

كان يُمكن أن تكون إصابة لاعب في بداية مباراة ليست بالحدث الجلل، وكان يمكن أن لا ينخلع قلب الجماهير إلى هذا الحد، يتابعون بنصف عين المباراة ويتصفحون الأخبار بالنصف الأخر بحثًا عن معلومة تطمئنهم هنا أو تصريح يُريحهم هناك، وكان يمكن أن لا "تقوم دكة الاحتياطي" فزعًا لمعرفة ماذا حدث.

لكن كل ما يبدو عاديًا كان يخلو من علي معلول، الذي ما إن ظهر في الصورة حتى تبدّل كل شئ، ولا علاقة لذلك بسير مباراة أو أهمية لاعب داخل المستطيل الأخضر، فالأهلي يعرف جيدا كيف تُدار الأمور، ويعرف جيدًا كيف لا يعتمد على لاعب مهما كانت مهاراته أو دوره، والدليل إصابة حارسه وقائده في نهائي أفريقيا الماضي فما كان منه إلا الاعتماد على الحارس البديل "مصطفى شوبير" الذي صار علامة مسجلة في تلك الدورة من البطولة بعد أن حافظ على شباكه لثمانِ مباريات متتالية.

وإذا كان الأمر ليس له علاقة بالمباريات والنتائج، فإن الأكيد أن علاقة معلول مع جماهير الأهلي هي السبب، تلك العلاقة التي جعلت كل ما يخص اللاعب التونسي استثنائي، يدلل على ذلك أن ارتداء شارة القيادة التي ارتداها "معلول" وهو أمر عادي ومتعارف عليه في كرة القدم ويحدث كل يوم في ملاعب الساحرة المستديرة، تلك اللحظة حوّلها جمهور الأهلي إلى لحظة خالدة، وقفوا من أجلها في المدرجات، وتحدث عنها خبراء الرياضة، واعتبرها كثيرون الهدف الرابع في المباراة بعد إحراز ثلاثة أهداف.

تلك العلاقة لم تُبن خلال يوم أو حتى عام، بل والذي يريد معرفة سرّها عليه العودة إلى 2016 حين قرر كابتن الصفاقسي، ركوب الطائرة من ملعب الطيب المهيري لتحط به في رحال التتش في صفقة تكلّفت حينها 700 ألف يورو، وشهدت الكثير من الشد والجذب بين الناديين، الصفاقسي الذي لا يريد أن يُفرّط في لاعبه، والأهلي الذي يعرض الانضمام على اللاعب الذي اختار الأخير وتحمّل حينها ما نشرته الصحافة التونسية معنونة صفقته بصفقة "الغضب".

من وقتها وبدأت مسيرة علي معلول التي تخطت الـ 285 مباراة، سجّل خلالهم 51 هدف، كما صنع 83 أسيست، ما جعله يتربع على عّرش من لعبوا في نفس مركزه، إضافة إلى ذلك، فعدد بطولات علي معلول مع الأهلي وصلت إلى، 5 دوري ممتاز، 5 سوبر مصري، 4 كأس مصر، 2 سوبر أفريقي، 3 دوري أبطال أفريقيا، بجانب 3 برونزية كأس عالم، وهي أرقام جعلت الكثيرون يبالغون في القول أن تاريخ الأهلي الحديث كُتب بـ"يسار معلول".

تلك المسيرة لو مع جمهور آخر لقلت أنها سبب تلك العلاقة القوية، لكن جمهور الأهلي لا يعتد كثيرًا بالأرقام، فهو جمهور يدرك أن كل من مر من أمام النادي الأهلي سيحصل على بطولة وأكثر، وأن سر النجاح المنظومة لا اللاعبين، والفريق هو من يصنع نجاحهم، رغم أن تلك النظرية قاسية بعض الشئ، لكن هكذا هو جمهور الأهلي، وبالتالي ليست الأرقام وحدها هي من جعلت لـ"معلول" تلك المكانة، حتى لو كان صاحب عرضية الحادية العشر لمحمد عبد المنعم، وعشرات الأهداف الحاسمة ناهيك أنه المسدد الأول لكافة ركلات الجزاء.

لذلك، وبقلب مستريح، فإن احتلال علي معلول لتلك المكانة يعود إلى إخلاصه داخل الملعب للنادي الأهلي، لا أقصد بالإخلاص معدّل ركضه المستمر، القتال على الكرة حتى آخر لحظة، إخراج عشرات الأهداف المحققة من على خط المرمى، كل تلك الأمور جزء يُظهر انتماؤه ولعبه برجولة داخل المستطيل الأخضر، لكن الجزء الثاني والأهم، أنه خلال 8 سنوات، لم نراه مشغولًا بشئ سوى النجاح وإعلاء قميص فريقه.

كم مرة رأيت علي معلول وهو يشير للجماهير بإشارة غير لائقة بعد إحرازه هدف كما يفعل غيره أحيانًا، كم مرة رأيته يهاجم الجمهور مهما كانت قسوة الانتقادات، كم مرة وجدت وكيله يخرج ليقول إن لاعبه تنهال عليه العروض من هنا وهناك حتى يُمثّل ضغط على الإدارة في رفع راتبه، كم مرة شاهدت علي معلول مشتبكًا مع أي لاعب أصلا من الأندية المصرية، وكم مرة قرأت تصريحًا في غير محله له، أو عرفت أنه اشتبك مع المدير الفني، عِلما بأن "معلول" تعاقب عليه إدارات ومديرين فنيين ولاعبين أيضًا.

ومع الاعتبار أنه إنسان من حقه الخطأ والصواب، وأحيانًا يفقد أعصابه، ومطامعه تكون أحيانًا مشروعة، لكن الإجابة على كل الأسئلة السابقة واحدة، لم يحدث، وبالتالي فإن علي معلول لم يدخل قلوب الأهلاوية من باب الأرقام والبطولات والإنجازات، بل من الباب الكبير الذي أكد فيه أنه يُدرك جيدًا قيمة الأهلي ولا يساوم به شئ آخر، وإنه تعلّم درس الأهلي الاول "الجماهير أولًا" فأخلص لهم وظهر ذلك في الملعب وخارجه.

كانت تلك رسالة علي معلول خلال ثمانِ سنوات، وهي رسالة لم تُخطئ الإرسال فوصلت إلى قلوب الجماهير التي طالبت منذ فترة أن يرتدي "معلول" شارة القيادة وردّ عليهم كولر حينها "لن أغيّر لاعبين من أجل ذلك فقط"، والتي من أجلها دعا الأهلاوية أن يقوم "معلول" سريعًا من إصابته، ليستكمل المسيرة الاستثنائية"، أما الإدارة فيكفي مشهد "الخطيب" وهو بجوار اللاعب يواسيه بعد المباراة للدلالة على قوة العلاقة بينهما، وبالنسبة لي، فكما أحلم بأن يتوّج الأهلي بالثانية عشر، أطالب "معلول" إنه "ميطولش في الإصابة" فرؤيته تعني لنا كجمهور الكثير.

استطلاع رأى